الطيب صالح

                    الطيب صالح

 أديب وكاتب سوداني سمي كذلك عبقري الرواية العربية


بدأ رحلته مع الكتابة في خمسينيات القرن العشرين، وساهم في نشر الأدب والثقافة السودانية في مختلف أنحاء العالم من خلال رواياته ومؤلفاته وكتاباته التي ترجم العديد منها إلى لغات عالمية، ولُقب بـ"عبقري الرواية العربية".


المولد والنشأة

ولد الطيب صالح يوم 12يوليو/تموز 1929، لأسرة تشتغل بالزراعة في منطقة مروي شمالي السودان بقرية كَرْمَكوْل قرب قرية دبة الفقراء، وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها.


الدراسة والتكوين

درس المرحلة الابتدائية في منطقة "وادي سيدنا"، ثم انتقل إلى الخرطوم لإكمال دراسته حيث حصل على البكالوريوس في العلوم، ثم انتقل إلى العاصمة البريطانية لندن حيث غيَّر تخصصه ودرس في جامعاتها العلوم السياسية.


الوظائف والمسؤوليات

تقلب الطيب صالح بين عدة مواقع مهنية، إذ أدار مدرسة في السودان، ثم عمل إعلاميا في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، وترقى فيها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما.


ثم عاد إلى السودان وعمل مدة في الإذاعة السودانية، ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلا ومشرفا على أجهزتها. ومن بعد ذلك عمل الطيب صالح مديرا إقليميا بمنظمة اليونيسكو في باريس، وعمل ممثلا لهذه المنظمة في الخليج العربي.


التجربة الأدبية

بدأ الطيب صالح الكتابة منذ أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، ومن بين أعماله "ضو البيت" و"عرس الزين" و"مريود" و"دومة ود حامد" و"منسى" و"بندر شاه"، إضافة إلى رواية "موسم الهجرة إلى الشمال".


كان مسكونا ببيئته السودانية وعكس ذلك في رواياته وقصصه، فعالج بطريقة أدبية إيحائية إشكالية التعددية الإثنية والثقافية والصدام بين الحضارات، وخاصة في روايته الأشهر "موسم الهجرة إلى الشمال".


واستفاد في ذلك من ثقافته الواسعة التي جمعت بين حقول معرفية مختلفة في اللغة والسياسية والفقه والفلسفة والأدب والإعلام والشعر -خاصة شعر أبي الطيب المتنبي- وغير ذلك، مما مكنه من القدرة على التحليل والمقارنة بأسلوب يجمع بين الإقناع الفكري والتأثير الوجداني.


كما مكنه ذلك من كتابة نصوص بأسلوب سردي ومهارات وصفية وتصويرية اعتبرها النقاد متميزة، وخاصة في روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" التي لقيت انتشارا عربيا وعالميا وترجمت لكثير من اللغات الأجنبية، وجعلت البعض يصفه بـ"عبقري الرواية العربية".


                اللهجة السودانية

 بقلم الطيب صالح:



يظن أهل السودان أن عربيتهم الدارجة هي من أفصح اللهجات العربية ويمضي أبعد من ذلك العالم الحجة الدكتور عبد الله الطيب صاحب كتاب "المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها" فيقول إن العربية الدارجة في السودان هي أفصح اللهجات العربية إطلاقا. الله أعلم.

والحق أن من قلة بخت عرب السودان أولا اسم دولتهم، وثانيا أن عروبتهم كما تجرى على ألسنتهم، أفصح أحيانا مما ينبئ به سمتهم وسحنتهم.

وقد وجدت في الشعر الجاهلي ثم في عامة الشعر العربي، خاصة عند المتنبي وأبي العلا، كلمات كثيرة تستعمل في لغتنا الدارجة، وبعضها لا يوجد إلا في السودان، وكنت أظنها محرفة أو دخيلة على اللغة العربية، فإذا بها كلمات فصيحة. المتنبي مثلا يستعمل كلمة (غلت) بمعنى (غلط) وأكثر أهل السودان يقولون (غلت) بالتاء، وفي لسان العرب أن ( غلت ) و (غلط) بمعنى واحد ويستعمل (توراب)، وأهل السودان يقولون (تيراب) للبذور التي تدفن في الأرض كالقمح والذرة وغيرها وفي المعجم ( توراب ) أو (تيراب) هي الأرض أو ما يدفن فيها.

هذا وقد ذكر الدكتور احسان عباس في كتابه "تاريخ النقد الأدبي عند العرب" في الفصل عن أراء النقاد القدماء في شعر المتنبي، وهو كتاب جم الفائدة، أن الصاحب بن عباد عاب على المتنبي استخدامه الكلمات الحوشية الغريبة مثل (توراب) غفر الله له أنه لم يزل يتتبع المأخذ على المتنبي، ولو أنه عاش في السودان، لوجد أن الكلمة شائعة تجرى على ألسنة عامة الناس. كذلك عاب عليه استعمال (جبرين) بالنون بدل (جبريل) باللام، وقال : وقلب هذه اللام إلى النون أبغض من وجه المنون. وعامـة أهـل الســودان، يقولــون (جـبرين ) و (اسماعين ) . 

ذاك ، وقد قال المتنبي يصف الخيل:

العارفين بها كما عرفتهم

والراكبين جدودهم أماتها

ونحن نقول ( أمات ) ولا نقول ( أمهات ). وقد قال الشاعر السوداني :

يا طير إن مشيت سلم على الأمات

وقول ليهن وليدكن في الحياة ما مات 

حتى التصغير الذي كان المتنبي مولعا به، وعابوه عليه، مأثور عندنا ، نقول ( وليد ) و ( زويل ) و (بنيه ) و ( مريه ) . ولقد كاد أبن القارح يصيبه الخبل من قول المتنبي:

أذم إلى هذا الزمان أهيله .

حتى صب أبو العلا ، رحمه الله ، الماء على نيران غضبه، فقال له : 

" كان الرجل مولعا بالتصغير لا يقنع من ذلك بخلسة المغير ، ولا ملامة عليه، إنما هي عادة صارت كالطبع ، فما حسن بها، مألوف الربع .. "

وكان شاعر السودان الفحل ، محمد أحمد عوض الكريم أبو سن الملقب بالحردلو ( 1830 – 1916) أيضا مغرما بالتصغير ، في مثل قوله يصف أن وعل الظباء تركها في مكان وذهب يستكشف ، ثم عاد إليها: 

جاهن منقلب وقتا عصير وشفاف 

وكاسب ليله بيهن من صدف ما بخاف 

ديل الطبعهن دايم الأبد عياف 

وفي (نايط السروج) لقين بقيلن جاف 

كل هذا كلام عربي فصيح إذا تأملته، وأنت ترى أنه صغر ( عصرا ) إلى عصير ، و ( بقل ) إلى بقيل . و ( نايط السروج ) اسم موضع ، والصدف ، بفتح الصاد والدال ، هو ما يصادفك مما تكره ، وخاصة بالليل . وأنظر كيف صور الشاعر ذكر الظباء ( التيس ) كأنه قائد عسكري مقدام لا يهاب المخاطر ، سرى بالقطيع ليلا ، حتى أوصله إلى حيث يريد ، فذلك قوله " كاسـب ليلـه بيهن". ونحن نستخدم "الكسب" بمعنى النصر الحربي أيضا ، كما قال الآخر يصف فتية محاربين:

ديل جابو الكسب بين ( كاجا ) و ( أم سريحه ) 

ويا ساتر من اليوم العقوبته فضيحه 

أي أنهم عادوا منتصرين من تلك البلاد في الجنوب والغرب حيث شبت حروب بين أهلها وبين القبائل العربية في الزمان القديم. 

والحردلو يصف الظباء بأنهن (عياف) والكلمة تحمل في جوفها معنى الحذر والكبرياء والعفة ، فما أجمل ذلك كأنه ذو الرمة ، وهو حقا أشبه الشعراء به. 

وعندنا " الزول " بمثابة " الزلمه " عند أهل الشام ، و" الريال " عند أهل جزيرة العرب ، يجعلون الجيم ياء ، وهو فصيح، ونحن جيمنا قريبة من ذلك. وكلمة " زول " في المعجم ، من معانيها الشخص اللطيف المهذب . وقد وجدتها بهذا المعنى عند أبى العلا . وذكر لي الدكتور عبد الله عبد الدايم ، وهو عالم ثبـت ، أن " زول " هي أحسن مرادف للكلمة الإنجليزية Gentleman فهل كل أهل السودان " أزوال " ؟ 

والكلمة تستخدم للمرأة أيضا، وقد قال الحردلو يذكر انسانة جميلة ألهته عن حضور العيد مع أخيه عبد الله، وكان شاعرا أيضا : 

الزول السمح فات الكبار والقدرو

كان شافوه ناس عبد الله كانوا يعذرو

السبب الحماني العيد هناك ما أحضرو

درديق الشبيكة النزلوه فوق صدرو

و " الشبيكة " حلى متشابكة تعلق على صدر الفتاة، وقد وجدتها بصفتها وباسمها هذا في متحف قطر الوطني الذي يديره العالم الشاعر الدكتور درويش الفأر في الدوحة الميمونة الطالع.

و "حمى" بمعنى "منع" أكثر جريا على الألسنة عندنا من "منع" ، وقد قال أبو العلا : 

ترى العود منها باكيا فكأنه 

فصيل حماه الشرب رب عيال 

هذا في وصف مبلغ حنين الإبل إلى أوطانها، ويا سبحان الله، كيف أن أشقاءنا المصريين ، وهم منا على بعد ما تطير اليمامة ، لا يصفون الفتاة بأنهـا "سمحة " كما نفعل، بل يقولون " جميلة " كان الله قسم لهم الجمال وقسم لنا السماحة..

وفي ديار غرب السودان ، يقولون (ينطي) بمعنى (يعطي) وهي كذلك في المعجم ، ولم أجدها عند غيرهم. وقد قال أبو العلا رحمه الله:

لمن جيرة سيموا النوال فلم ينطوا 

يظللهم ما ظل ينبته الخط 

رجوت لهم أن يقربوا فتباعدوا

وألا يشطوا بالمزار فقد شطوا 

أي والله، لقد شطوا يا أم عمرو، وهل بعدهم يطيب العيش.


       الطيب صالح



      موضو جديد/ تمت إضافته يوم السبت 24ديسمبر 2022 م 


من"قرية كرمكول" الوادعة التي تقع على الضفة الغربية للنيل، شمالي السودان، خرج على الدنيا نجم الرواية السوداني العالمي الطيب صالح، ومنها ايضاً استلهم جميع رواياته التي نالت اعجاب الملايين في شتى بقاع العالم.

وربما يعرف كثيرون " صالح" ورواياته ويحفونها باعجابهم لكن كثيرين ايضاً هم من لا يعرفون انها جزء لا يتجزأ من الواقع في تلك القرية الصغيرة والقريبة جداً من مدينة الدبة الواقعة عند انحناءة النيل في شمالي البلاد.

وكرمكول منطقة ذات بيئة مُلهمة وساحرة فقد ألهمت الكاتب الراحل عبقري الرواية العربية "الطيب صالح" الكثير من الشخصيات ووصف المكان باعتبار ان دومة ود حامد كمكان متخيل في اعمال الطيب صالح تستقي بنائها من المكان المواز لها وهي كرمكول حيث ولد بها الطيب صالح في عام 1929 م وكان يسكن في الحي القديم بفريق بركة.

بدلاً  أن تحرص حكومة الولاية الشمالية(البائده) على أن تحفظ لهذه القرية إرثها وتميزها وخصوصيتها و "عالميتها"، فإذا هي تريد مسخها وتذويبها بضمها إلى حاضرة المحلية مدينة "الدبة" بدعوى التخطيط !

وكأن "الدبة" تنافس مُدن العالم في تخطيطها وتطورها وناطحاتها وجسورها الطائرة وبُنيتها التحتية لِتشرِّف فعلاً من ينضم إليها !

أيِّ كانت مبررات القرار فإن كلمة "ضم" لوحدها فيها منقصة وتقليل لشأن هذه القرية التاريخية، كما يسلبها خصوصيتها لتتمدن، ويسلبها ما يميزها من عبق الريف و تركيبة سكانه "أولاد خشم البيت الواحد" .

دعوا "كرمكول" على براءتها وسجيتها وطيبتها وطبيعتها الملهمة، ولا تخدشوها بشراسة و صخب و ضوضاء المُدن، فأهلها والعالم يريدونها على فطرتها، قرية تاريخية كما هي وكما حكى عنها الأديب العالمي، لايطمثها إنس ولا جآن.

 ابومهند العيسابيمن"قرية كرمكول" الوادعة التي تقع على الضفة الغربية للنيل، شمالي السودان، خرج على الدنيا نجم الرواية السوداني العالمي الطيب صالح، ومنها ايضاً استلهم جميع رواياته التي نالت اعجاب الملايين في شتى بقاع العالم.

وربما يعرف كثيرون " صالح" ورواياته ويحفونها باعجابهم لكن كثيرين ايضاً هم من لا يعرفون انها جزء لا يتجزأ من الواقع في تلك القرية الصغيرة والقريبة جداً من مدينة الدبة الواقعة عند انحناءة النيل في شمالي البلاد.

وكرمكول منطقة ذات بيئة مُلهمة وساحرة فقد ألهمت الكاتب الراحل عبقري الرواية العربية "الطيب صالح" الكثير من الشخصيات ووصف المكان باعتبار ان دومة ود حامد كمكان متخيل في اعمال الطيب صالح تستقي بنائها من المكان المواز لها وهي كرمكول حيث ولد بها الطيب صالح في عام 1929 م وكان يسكن في الحي القديم بفريق بركة.

بدلاً  أن تحرص حكومة الولاية الشمالية(البائده) على أن تحفظ لهذه القرية إرثها وتميزها وخصوصيتها و "عالميتها"، فإذا هي تريد مسخها وتذويبها بضمها إلى حاضرة المحلية مدينة "الدبة" بدعوى التخطيط !

وكأن "الدبة" تنافس مُدن العالم في تخطيطها وتطورها وناطحاتها وجسورها الطائرة وبُنيتها التحتية لِتشرِّف فعلاً من ينضم إليها !

أيِّ كانت مبررات القرار فإن كلمة "ضم" لوحدها فيها منقصة وتقليل لشأن هذه القرية التاريخية، كما يسلبها خصوصيتها لتتمدن، ويسلبها ما يميزها من عبق الريف و تركيبة سكانه "أولاد خشم البيت الواحد" .

دعوا "كرمكول" على براءتها وسجيتها وطيبتها وطبيعتها الملهمة، ولا تخدشوها بشراسة و صخب و ضوضاء المُدن، فأهلها والعالم يريدونها على فطرتها، قرية تاريخية كما هي وكما حكى عنها الأديب العالمي، لايطمثها إنس ولا جآن.

 ابومهند العيسابيمن"قرية كرمكول" الوادعة التي تقع على الضفة الغربية للنيل، شمالي السودان، خرج على الدنيا نجم الرواية السوداني العالمي الطيب صالح، ومنها ايضاً استلهم جميع رواياته التي نالت اعجاب الملايين في شتى بقاع العالم.

وربما يعرف كثيرون " صالح" ورواياته ويحفونها باعجابهم لكن كثيرين ايضاً هم من لا يعرفون انها جزء لا يتجزأ من الواقع في تلك القرية الصغيرة والقريبة جداً من مدينة الدبة الواقعة عند انحناءة النيل في شمالي البلاد.

وكرمكول منطقة ذات بيئة مُلهمة وساحرة فقد ألهمت الكاتب الراحل عبقري الرواية العربية "الطيب صالح" الكثير من الشخصيات ووصف المكان باعتبار ان دومة ود حامد كمكان متخيل في اعمال الطيب صالح تستقي بنائها من المكان المواز لها وهي كرمكول حيث ولد بها الطيب صالح في عام 1929 م وكان يسكن في الحي القديم بفريق بركة.

بدلاً  أن تحرص حكومة الولاية الشمالية(البائده) على أن تحفظ لهذه القرية إرثها وتميزها وخصوصيتها و "عالميتها"، فإذا هي تريد مسخها وتذويبها بضمها إلى حاضرة المحلية مدينة "الدبة" بدعوى التخطيط !

وكأن "الدبة" تنافس مُدن العالم في تخطيطها وتطورها وناطحاتها وجسورها الطائرة وبُنيتها التحتية لِتشرِّف فعلاً من ينضم إليها !

أيِّ كانت مبررات القرار فإن كلمة "ضم" لوحدها فيها منقصة وتقليل لشأن هذه القرية التاريخية، كما يسلبها خصوصيتها لتتمدن، ويسلبها ما يميزها من عبق الريف و تركيبة سكانه "أولاد خشم البيت الواحد" .

دعوا "كرمكول" على براءتها وسجيتها وطيبتها وطبيعتها الملهمة، ولا تخدشوها بشراسة و صخب و ضوضاء المُدن، فأهلها والعالم يريدونها على فطرتها، قرية تاريخية كما هي وكما حكى عنها الأديب العالمي، لايطمثها إنس ولا جآن.

 ابومهند العيسابيمن"قرية كرمكول" الوادعة التي تقع على الضفة الغربية للنيل، شمالي السودان، خرج على الدنيا نجم الرواية السوداني العالمي الطيب صالح، ومنها ايضاً استلهم جميع رواياته التي نالت اعجاب الملايين في شتى بقاع العالم.

وربما يعرف كثيرون " صالح" ورواياته ويحفونها باعجابهم لكن كثيرين ايضاً هم من لا يعرفون انها جزء لا يتجزأ من الواقع في تلك القرية الصغيرة والقريبة جداً من مدينة الدبة الواقعة عند انحناءة النيل في شمالي البلاد.

وكرمكول منطقة ذات بيئة مُلهمة وساحرة فقد ألهمت الكاتب الراحل عبقري الرواية العربية "الطيب صالح" الكثير من الشخصيات ووصف المكان باعتبار ان دومة ود حامد كمكان متخيل في اعمال الطيب صالح تستقي بنائها من المكان المواز لها وهي كرمكول حيث ولد بها الطيب صالح في عام 1929 م وكان يسكن في الحي القديم بفريق بركة.

بدلاً  أن تحرص حكومة الولاية الشمالية(البائده) على أن تحفظ لهذه القرية إرثها وتميزها وخصوصيتها و "عالميتها"، فإذا هي تريد مسخها وتذويبها بضمها إلى حاضرة المحلية مدينة "الدبة" بدعوى التخطيط !

وكأن "الدبة" تنافس مُدن العالم في تخطيطها وتطورها وناطحاتها وجسورها الطائرة وبُنيتها التحتية لِتشرِّف فعلاً من ينضم إليها !

أيِّ كانت مبررات القرار فإن كلمة "ضم" لوحدها فيها منقصة وتقليل لشأن هذه القرية التاريخية، كما يسلبها خصوصيتها لتتمدن، ويسلبها ما يميزها من عبق الريف و تركيبة سكانه "أولاد خشم البيت الواحد" .

دعوا "كرمكول" على براءتها وسجيتها وطيبتها وطبيعتها الملهمة، ولا تخدشوها بشراسة و صخب و ضوضاء المُدن، فأهلها والعالم يريدونها على فطرتها، قرية تاريخية كما هي وكما حكى عنها الأديب العالمي، لايطمثها إنس ولا جآن.

                                منقول 

موضوع جدي /


                   مِن أين جاء هؤلاء النّاس؟ 

الكاتب /الطيب صالح.....


وجدوا شعباً حسن الإسلام، فآلوا على انفسهم أن ينزلوا عليه الإسلام من جديد

وجدوا أمة كريمة أبية متراحمة فأهانوا كرامتها وجرحوا كبرياءها ومزقوا شملها.

وجدوا شعباً صابرا راضياً بقسمته يعيش مستورا ولو على الكفاف ولكنه يعمل ويكدح وتتحسن أحواله عاما بعد عام فأذاقوه وبال الجوع والهوان، كي يقولوا إن الشعب كان جائعاً قبلهم، وانهم هم من جاؤوه بالمن والسلوى.

وجدوا دولة على علاتها ذات هيبة، تنصر الأخ وترعى حقوق الجار ويحسب حسابها الأمم

فحولوها إلى دولة تافهة لا يقام لها وزن، لا تنصر مظلوما ولا تردع ظالما"

ـــــــ

مِن أين جاء هؤلاء النّاس؟ أما أرضعتهم الأمّهات والعمّات والخالات؟

أما أصغوا للرياح تهبُّ من الشمال والجنوب؟

أما رأوا بروق الصعيد تشيل وتحط؟

أما شافوا القمح ينمو في الحقول وسبائط التمر مثقلة فوق هامات النخيل؟

أما سمعوا مدائح حاج الماحي وود سعد، وأغاني سرور وخليل فرح وحسن عطية والكابلي والمصطفى؟

أما قرأوا شعر العباس والمجذوب؟

أما سمعوا الأصوات القديمة وأحسُّوا الأشواق القديمة، ألا يحبّون الوطن كما نحبّه؟

إذاً لماذا يحبّونه وكأنّهم يكرهونه ويعملون على إعماره وكأنّهم مسخّرون لخرابه؟

أجلس هنا بين قوم أحرار في بلد حرٍّ ، أحسّ البرد في عظامي واليوم ليس بارداً. 

أنتمي الى أمّة مقهورة ودولة تافهة. 

أنظر إليهم يكرِّمون رجالهم ونساءهم وهم أحياء، ولو كان أمثال هؤلاء عندنا لقتلوهم أو سجنوهم أو شرّدوهم في الآفاق.

من الذي يبني لك المستقبل يا هداك الله وأنت تذبح الخيل وتُبقي العربات، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات؟

هل حرائر النساء من " سودري " و " حمرة الوز " و " حمرة الشيخ " ما زلن يتسولنّ في شوارع الخرطوم ؟

هل ما زال أهل الجنوب ينزحون الى الشمال وأهل الشمال يهربون الى أي بلد يقبلهم؟

هل أسعار الدولار ما تزال في صعود وأقدار الناس في هبوط ؟ أما زالوا يحلمون أن يُقيموا على جثّة السودان المسكين خلافة إسلامية سودانية يبايعها أهل مصر وبلاد الشام والمغرب واليمن والعراق وبلاد جزيرة العرب؟

من أين جاء هؤلاء الناس؟ بل - مَن هؤلاء الناس ؟

 (وطني السودان)

الطيب صالح رحمه الله 

الميلاد: 12 يوليو 1929

الوفـاة: 18 فبراير2009


                  رسالة الى ايلين 

      


                  .............

عزيزتي إيلين، الآن انتهيتُ من فضّ حقائبي. أنت عظيمة ولست أدري ماذا أفعل بدونك. كل شيء يلزمني وضعتِهِ في الحقائب. تسعة قمصان "فان هوسن" ثلاثة منها لا تحتاج للكيّ. "أغسلها وأنشفها وألبسها". وأنت تعلمين أنني لن أفعل شيئاً من هذا القبيل. ربطة العنق التي اشتريتها لي في العام الماضي في بوند ستريت، وجدتها مع خمس كرافتات أخرى.
"خمس كرافتات تكفيك... أنت لن تخرج كثيراً ولن يدعوك أحد لحفلة... وإذا دُعيت فلا تذهب".
كم أحببتكِ لأنكِ تذكرتِ أن تضعي في حقائبي هذه الربطة... ربطة عنق قرمزية اللون، واحدة من ملايين الأشياء الصغيرة التي تشد قلبي إليك... في مثل هذا الوقت من العام الماضي، بعد ثمانية أشهر من معرفتي إياكِ، في القطار الذي يسير تحت الأرض، الساعة السادسة والناس مزدحمون، ونحن واقفان وأنتِ متكئة عليّ، فجأة قلت لك "إنني أحبك... أريد أن أتزوجك".
إحمرّ خداكِ والتفتَ الناس إلينا. طيلة ثمانية أشهر عرفتك فيها لم أقل لك أنني أحبك. كنت أتهرب وأداري وأزوغ. ثم فجأة وسط الزحام، في الساعة السادسة مساء، حين يعود الناس التعبين مرهقين إلى بيوتهم بعد عملٍ شاق طيلة اليوم، فجأة خرجت الكلمة المحرَّمة من فمي وكأنني محموم يهذي. لا أعلم أي شيطان حرّك لساني، أي ثائر أثارني، ولكنني شعرتُ بسعادة عظيمة، في تلك الساعة، في ذلك الجو الخانق، بين تلك الوجوه الكالحة المكدودة التي اختفت وراء صُحف المساء. ولما خرجنا ضغطتِ على يدي بشدة، ورأيتُ في عينيك طيفاً من دموع، وقلت لي "إنك مهووس. أنت أهوس رجل على وجه البسيطة. ولكنني أحبك. إذا رأيت أن تتزوجني فأنت وشأنك".
ثمانية أشهر وأنا أتهرب وأحاور وأحاضر. أحاضرك في الفوارق التي تفرقنا. الدين والبلد والجنس. أنت من ابردين في سكتلندا وأنا من الخرطوم. أنت مسيحية وأنا مسلم. أنت صغيرة مرحة متفائلة، وأنا قلبي فيه جروح بعدُ لم تندمل. أي شيء حببني فيكِ؟ أنت شقراء زرقاء العينين ممشوقة الجسم، تحبين السباحة ولعب التنس، وأنا طول عمري أحنُّ إلى فتاة سمراء، واسعة العينين، سوداء الشعر، شرقية السمات، هادئة الحركة. أي شيء حبَّبكِ فيَّ، أنا الضائع الغريب، أحمل في قلبي هموم جيل بأسره؟ أنا المغرور القلق المتقلب المزاج؟ "لا تتعب عقلك في تفسير كل شيء. أنت حصان هرم من بلد متأخر، وقد أراد القدر أن يصيبني بحبك. هذا كل ما في الأمر. تذكر قول شيكسبير. كيوبيد طفل عفريت. ومن عفرتته أنه أصاب قلبي بحب طامة كبيرة... مثلك".
وتضحكين، ويقع شعرك الذهبي على وجهك فتردِّينه بيدك، ثم تضحكين ضحكتك التي تحاكي رنين الفضة. وذهبنا إلى مطعم صيني واحتفلنا، وكنتُ نسيتُ أن اليوم هو يوم ميلادي. أنا لا أحفل بأمسي ولا بيومي وأنت تحفلين بكل شيء. أنت تذكرتِ، فأحضرتِ ربطة العنق القرمزية هذه. كم أحبكِ لأنك وضعتها بين متاعي.
عزيزتي إيلين، هذه هي الليلة الأولى بدونك... منذ عام. منذ عام كامل. ثلاثمائة وخمس وستون ليلة، وأنت تشاركينني فراشي، تنامين على ذراعي، تختلط أنفاسنا وعطر أجسادنا، تحلمين أحلامي، تقرأين أفكاري، تحضِّرين إفطاري، نستحم معاً في حمام واحد، نستعمل فرشاة أسنان واحدة، تقرأين الكتاب وتخبرينني بمحتواه فأكتفي بكِ فلا أقرأه. تزوجتني، تزوجت شرقاً مضطرباً على مفترق الطرق، تزوجت شمساً قاسية الشعاع، تزوجت فكراً فوضوي، وآمالاً ظمأى كصحارى قومي. الليلة الأولى عداك يا طفلة من ابردين ـ وضعتها الأقدار في طريقي. تبينتك وآخيتني. "يا أختاه... يا أختاه". البذلة الرمادية التي تؤثرينها ـ "ثلاث بِدَل أكثر من الكفاية. رجل متزوج يقضي شهراً مع أهله لن يحفل بك أحد، ولن تهتم بك صبايا بلدك، ولا حاجة بك إلى هندمة نفسك والاعتناء بشكلك. ومهما يكن فإن شكلك لا تجدي معه هندمة. اذهب وعد إليّ سليماً: إذا ضحكت لك منهنَّ فتاة فكشر في وجهها".
اطمئني فلن تضحك لي فتاة. أنا في حسابهنَّ كنخلة على الشاطئ اقتلعها التيار وجرفها بعيداً عن منبتها. أنا في حسابهنَّ تجارة كسدت. لكن ما أحلى الكساد معك. الليلة الأولى بدونك. وبعدها ليالٍ ثلاثون كمفازة ليس لها آخر. سأجلس على صخرة قبالة دارنا وأتحدث إليك. أنا واثق أنك تسمعينني. أنا واثق أن الرياح والكهرباء التي في الأثير والهواجس التي تهجس في الكون، سترهف آذانها، وستحمل حديثي إليك. موجات هوج من قلبي، تستقبلها محطة في قلبك. حين تنامي مدّي ذراعك حيث أضع رأسي على الوسادة، فإنني هناك معك. حين تستيقظين قولي "صباح الخير" فإنني سأسمع وأرد. أجل سأسمع. أنا الآن أسمع صوتك العذب الواضح تقولين لي "اسعَدَ في عطلتك ولكن لا تسعد أكثر مما يجب. تذكر أنني هنا أتضوى وأنتظرك. ستكون مع أهلك فلا تنسَ إنك برحيلك ستتركني بلا أهل".
أتمّ الخطاب وثناه أربع ثنيات ووضعه في الغلاف، ثم كتب العنوان. ورفعه بين إصبعيه وتمعنه طويلاً في صمت كأن فيه سراً عظيماً. نادى أخاه الصغير وأمره بإلقائه في البريد. مرَّت بعد ذلك مدة لم يعرف حسابها، لعلها طالت أو قصرت، وهو جالس حيث هو لا يسمع ولا يرى شيئاً. وفجأة سمع ضحكة عالية تتناهى إليه من الجناح الشمالي في البيت. ضحكة أمه. واتضح لأذنيه اللغط، لغط النساء اللائي جئنَّ يهنئنَّ أمه بوصوله سالماً من البلد البعيد. كلهنَّ قريباته. فيهنَّ العمة والخالة وابنة العم وابنة الخالة. وظل كذلك برهة. ثم جاء أبوه ومعه حشد من الرجال. كلهم أقرباؤه. سلموا عليه وجلسوا. جيء بالقهوة والشاي وعصير البرتقال وعصير الليمون. شيء يشبه الاحتفال. سألوه أسئلة رد عليها، ثم بدأوا في حديثهم الذي ظلوا يتحدثونه طول حياتهم. وشعر في قلبه بالإمتنان لهم أنهم تركوه وشأنه. وفجأة تضخمتْ في ذهنه فكرة ارتاع لها. هؤلاء القوم قومه. قبيلة ضخمة هو فرد منها. ومع ذلك فهم غرباء عنه. هو غريب بينهم. قبل أعوام كان خلية حيّة في جسم القبيلة المترابط. كان يغيب فيخلف فراغاً لا يمتلئ حتى يعود. وحين يعود يصافحه أبوه ببساطة وتضحك أمه كعادتها ويعامله بقية أهله بلا كلفة طوال الأيام التي غابها. أما الآن... أبوه احتضنه بقوة وأمه ذرفت الدموع وبقية أهله بالغوا في الترحيب به. هذه المبالغة هي التي أزعجته. كأن إحساسهم الطبيعي قد فتر فدعموه بالمبالغة. "طويل الجرحِ يغري بالتناسي". وسمع صوت إيلين واضحاً عذباً تقول له وهي تودعه "أرجو من كل قلبي أن تجد أهلك كما تركتهم، لم يتغيروا. أهم من ذلك من أن تكون أنت لم تتغير نحوهم".
آه منك يا زمان النزوح.
الطيب صالح (1929 - 2009)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شاهد عيان جنجويد

مواضيع علمية

قصص جميلة.