الطيب صالح
الطيب صالح
أديب وكاتب سوداني سمي كذلك عبقري الرواية العربية
بدأ رحلته مع الكتابة في خمسينيات القرن العشرين، وساهم في نشر الأدب والثقافة السودانية في مختلف أنحاء العالم من خلال رواياته ومؤلفاته وكتاباته التي ترجم العديد منها إلى لغات عالمية، ولُقب بـ"عبقري الرواية العربية".
المولد والنشأة
ولد الطيب صالح يوم 12يوليو/تموز 1929، لأسرة تشتغل بالزراعة في منطقة مروي شمالي السودان بقرية كَرْمَكوْل قرب قرية دبة الفقراء، وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها.
الدراسة والتكوين
درس المرحلة الابتدائية في منطقة "وادي سيدنا"، ثم انتقل إلى الخرطوم لإكمال دراسته حيث حصل على البكالوريوس في العلوم، ثم انتقل إلى العاصمة البريطانية لندن حيث غيَّر تخصصه ودرس في جامعاتها العلوم السياسية.
الوظائف والمسؤوليات
تقلب الطيب صالح بين عدة مواقع مهنية، إذ أدار مدرسة في السودان، ثم عمل إعلاميا في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، وترقى فيها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما.
ثم عاد إلى السودان وعمل مدة في الإذاعة السودانية، ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلا ومشرفا على أجهزتها. ومن بعد ذلك عمل الطيب صالح مديرا إقليميا بمنظمة اليونيسكو في باريس، وعمل ممثلا لهذه المنظمة في الخليج العربي.
التجربة الأدبية
بدأ الطيب صالح الكتابة منذ أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، ومن بين أعماله "ضو البيت" و"عرس الزين" و"مريود" و"دومة ود حامد" و"منسى" و"بندر شاه"، إضافة إلى رواية "موسم الهجرة إلى الشمال".
كان مسكونا ببيئته السودانية وعكس ذلك في رواياته وقصصه، فعالج بطريقة أدبية إيحائية إشكالية التعددية الإثنية والثقافية والصدام بين الحضارات، وخاصة في روايته الأشهر "موسم الهجرة إلى الشمال".
واستفاد في ذلك من ثقافته الواسعة التي جمعت بين حقول معرفية مختلفة في اللغة والسياسية والفقه والفلسفة والأدب والإعلام والشعر -خاصة شعر أبي الطيب المتنبي- وغير ذلك، مما مكنه من القدرة على التحليل والمقارنة بأسلوب يجمع بين الإقناع الفكري والتأثير الوجداني.
كما مكنه ذلك من كتابة نصوص بأسلوب سردي ومهارات وصفية وتصويرية اعتبرها النقاد متميزة، وخاصة في روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" التي لقيت انتشارا عربيا وعالميا وترجمت لكثير من اللغات الأجنبية، وجعلت البعض يصفه بـ"عبقري الرواية العربية".
اللهجة السودانية
بقلم الطيب صالح:
يظن أهل السودان أن عربيتهم الدارجة هي من أفصح اللهجات العربية ويمضي أبعد من ذلك العالم الحجة الدكتور عبد الله الطيب صاحب كتاب "المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها" فيقول إن العربية الدارجة في السودان هي أفصح اللهجات العربية إطلاقا. الله أعلم.
والحق أن من قلة بخت عرب السودان أولا اسم دولتهم، وثانيا أن عروبتهم كما تجرى على ألسنتهم، أفصح أحيانا مما ينبئ به سمتهم وسحنتهم.
وقد وجدت في الشعر الجاهلي ثم في عامة الشعر العربي، خاصة عند المتنبي وأبي العلا، كلمات كثيرة تستعمل في لغتنا الدارجة، وبعضها لا يوجد إلا في السودان، وكنت أظنها محرفة أو دخيلة على اللغة العربية، فإذا بها كلمات فصيحة. المتنبي مثلا يستعمل كلمة (غلت) بمعنى (غلط) وأكثر أهل السودان يقولون (غلت) بالتاء، وفي لسان العرب أن ( غلت ) و (غلط) بمعنى واحد ويستعمل (توراب)، وأهل السودان يقولون (تيراب) للبذور التي تدفن في الأرض كالقمح والذرة وغيرها وفي المعجم ( توراب ) أو (تيراب) هي الأرض أو ما يدفن فيها.
هذا وقد ذكر الدكتور احسان عباس في كتابه "تاريخ النقد الأدبي عند العرب" في الفصل عن أراء النقاد القدماء في شعر المتنبي، وهو كتاب جم الفائدة، أن الصاحب بن عباد عاب على المتنبي استخدامه الكلمات الحوشية الغريبة مثل (توراب) غفر الله له أنه لم يزل يتتبع المأخذ على المتنبي، ولو أنه عاش في السودان، لوجد أن الكلمة شائعة تجرى على ألسنة عامة الناس. كذلك عاب عليه استعمال (جبرين) بالنون بدل (جبريل) باللام، وقال : وقلب هذه اللام إلى النون أبغض من وجه المنون. وعامـة أهـل الســودان، يقولــون (جـبرين ) و (اسماعين ) .
ذاك ، وقد قال المتنبي يصف الخيل:
العارفين بها كما عرفتهم
والراكبين جدودهم أماتها
ونحن نقول ( أمات ) ولا نقول ( أمهات ). وقد قال الشاعر السوداني :
يا طير إن مشيت سلم على الأمات
وقول ليهن وليدكن في الحياة ما مات
حتى التصغير الذي كان المتنبي مولعا به، وعابوه عليه، مأثور عندنا ، نقول ( وليد ) و ( زويل ) و (بنيه ) و ( مريه ) . ولقد كاد أبن القارح يصيبه الخبل من قول المتنبي:
أذم إلى هذا الزمان أهيله .
حتى صب أبو العلا ، رحمه الله ، الماء على نيران غضبه، فقال له :
" كان الرجل مولعا بالتصغير لا يقنع من ذلك بخلسة المغير ، ولا ملامة عليه، إنما هي عادة صارت كالطبع ، فما حسن بها، مألوف الربع .. "
وكان شاعر السودان الفحل ، محمد أحمد عوض الكريم أبو سن الملقب بالحردلو ( 1830 – 1916) أيضا مغرما بالتصغير ، في مثل قوله يصف أن وعل الظباء تركها في مكان وذهب يستكشف ، ثم عاد إليها:
جاهن منقلب وقتا عصير وشفاف
وكاسب ليله بيهن من صدف ما بخاف
ديل الطبعهن دايم الأبد عياف
وفي (نايط السروج) لقين بقيلن جاف
كل هذا كلام عربي فصيح إذا تأملته، وأنت ترى أنه صغر ( عصرا ) إلى عصير ، و ( بقل ) إلى بقيل . و ( نايط السروج ) اسم موضع ، والصدف ، بفتح الصاد والدال ، هو ما يصادفك مما تكره ، وخاصة بالليل . وأنظر كيف صور الشاعر ذكر الظباء ( التيس ) كأنه قائد عسكري مقدام لا يهاب المخاطر ، سرى بالقطيع ليلا ، حتى أوصله إلى حيث يريد ، فذلك قوله " كاسـب ليلـه بيهن". ونحن نستخدم "الكسب" بمعنى النصر الحربي أيضا ، كما قال الآخر يصف فتية محاربين:
ديل جابو الكسب بين ( كاجا ) و ( أم سريحه )
ويا ساتر من اليوم العقوبته فضيحه
أي أنهم عادوا منتصرين من تلك البلاد في الجنوب والغرب حيث شبت حروب بين أهلها وبين القبائل العربية في الزمان القديم.
والحردلو يصف الظباء بأنهن (عياف) والكلمة تحمل في جوفها معنى الحذر والكبرياء والعفة ، فما أجمل ذلك كأنه ذو الرمة ، وهو حقا أشبه الشعراء به.
وعندنا " الزول " بمثابة " الزلمه " عند أهل الشام ، و" الريال " عند أهل جزيرة العرب ، يجعلون الجيم ياء ، وهو فصيح، ونحن جيمنا قريبة من ذلك. وكلمة " زول " في المعجم ، من معانيها الشخص اللطيف المهذب . وقد وجدتها بهذا المعنى عند أبى العلا . وذكر لي الدكتور عبد الله عبد الدايم ، وهو عالم ثبـت ، أن " زول " هي أحسن مرادف للكلمة الإنجليزية Gentleman فهل كل أهل السودان " أزوال " ؟
والكلمة تستخدم للمرأة أيضا، وقد قال الحردلو يذكر انسانة جميلة ألهته عن حضور العيد مع أخيه عبد الله، وكان شاعرا أيضا :
الزول السمح فات الكبار والقدرو
كان شافوه ناس عبد الله كانوا يعذرو
السبب الحماني العيد هناك ما أحضرو
درديق الشبيكة النزلوه فوق صدرو
و " الشبيكة " حلى متشابكة تعلق على صدر الفتاة، وقد وجدتها بصفتها وباسمها هذا في متحف قطر الوطني الذي يديره العالم الشاعر الدكتور درويش الفأر في الدوحة الميمونة الطالع.
و "حمى" بمعنى "منع" أكثر جريا على الألسنة عندنا من "منع" ، وقد قال أبو العلا :
ترى العود منها باكيا فكأنه
فصيل حماه الشرب رب عيال
هذا في وصف مبلغ حنين الإبل إلى أوطانها، ويا سبحان الله، كيف أن أشقاءنا المصريين ، وهم منا على بعد ما تطير اليمامة ، لا يصفون الفتاة بأنهـا "سمحة " كما نفعل، بل يقولون " جميلة " كان الله قسم لهم الجمال وقسم لنا السماحة..
وفي ديار غرب السودان ، يقولون (ينطي) بمعنى (يعطي) وهي كذلك في المعجم ، ولم أجدها عند غيرهم. وقد قال أبو العلا رحمه الله:
لمن جيرة سيموا النوال فلم ينطوا
يظللهم ما ظل ينبته الخط
رجوت لهم أن يقربوا فتباعدوا
وألا يشطوا بالمزار فقد شطوا
أي والله، لقد شطوا يا أم عمرو، وهل بعدهم يطيب العيش.
الطيب صالح
موضو جديد/ تمت إضافته يوم السبت 24ديسمبر 2022 م
من"قرية كرمكول" الوادعة التي تقع على الضفة الغربية للنيل، شمالي السودان، خرج على الدنيا نجم الرواية السوداني العالمي الطيب صالح، ومنها ايضاً استلهم جميع رواياته التي نالت اعجاب الملايين في شتى بقاع العالم.
وربما يعرف كثيرون " صالح" ورواياته ويحفونها باعجابهم لكن كثيرين ايضاً هم من لا يعرفون انها جزء لا يتجزأ من الواقع في تلك القرية الصغيرة والقريبة جداً من مدينة الدبة الواقعة عند انحناءة النيل في شمالي البلاد.
وكرمكول منطقة ذات بيئة مُلهمة وساحرة فقد ألهمت الكاتب الراحل عبقري الرواية العربية "الطيب صالح" الكثير من الشخصيات ووصف المكان باعتبار ان دومة ود حامد كمكان متخيل في اعمال الطيب صالح تستقي بنائها من المكان المواز لها وهي كرمكول حيث ولد بها الطيب صالح في عام 1929 م وكان يسكن في الحي القديم بفريق بركة.
بدلاً أن تحرص حكومة الولاية الشمالية(البائده) على أن تحفظ لهذه القرية إرثها وتميزها وخصوصيتها و "عالميتها"، فإذا هي تريد مسخها وتذويبها بضمها إلى حاضرة المحلية مدينة "الدبة" بدعوى التخطيط !
وكأن "الدبة" تنافس مُدن العالم في تخطيطها وتطورها وناطحاتها وجسورها الطائرة وبُنيتها التحتية لِتشرِّف فعلاً من ينضم إليها !
أيِّ كانت مبررات القرار فإن كلمة "ضم" لوحدها فيها منقصة وتقليل لشأن هذه القرية التاريخية، كما يسلبها خصوصيتها لتتمدن، ويسلبها ما يميزها من عبق الريف و تركيبة سكانه "أولاد خشم البيت الواحد" .
دعوا "كرمكول" على براءتها وسجيتها وطيبتها وطبيعتها الملهمة، ولا تخدشوها بشراسة و صخب و ضوضاء المُدن، فأهلها والعالم يريدونها على فطرتها، قرية تاريخية كما هي وكما حكى عنها الأديب العالمي، لايطمثها إنس ولا جآن.
ابومهند العيسابيمن"قرية كرمكول" الوادعة التي تقع على الضفة الغربية للنيل، شمالي السودان، خرج على الدنيا نجم الرواية السوداني العالمي الطيب صالح، ومنها ايضاً استلهم جميع رواياته التي نالت اعجاب الملايين في شتى بقاع العالم.
وربما يعرف كثيرون " صالح" ورواياته ويحفونها باعجابهم لكن كثيرين ايضاً هم من لا يعرفون انها جزء لا يتجزأ من الواقع في تلك القرية الصغيرة والقريبة جداً من مدينة الدبة الواقعة عند انحناءة النيل في شمالي البلاد.
وكرمكول منطقة ذات بيئة مُلهمة وساحرة فقد ألهمت الكاتب الراحل عبقري الرواية العربية "الطيب صالح" الكثير من الشخصيات ووصف المكان باعتبار ان دومة ود حامد كمكان متخيل في اعمال الطيب صالح تستقي بنائها من المكان المواز لها وهي كرمكول حيث ولد بها الطيب صالح في عام 1929 م وكان يسكن في الحي القديم بفريق بركة.
بدلاً أن تحرص حكومة الولاية الشمالية(البائده) على أن تحفظ لهذه القرية إرثها وتميزها وخصوصيتها و "عالميتها"، فإذا هي تريد مسخها وتذويبها بضمها إلى حاضرة المحلية مدينة "الدبة" بدعوى التخطيط !
وكأن "الدبة" تنافس مُدن العالم في تخطيطها وتطورها وناطحاتها وجسورها الطائرة وبُنيتها التحتية لِتشرِّف فعلاً من ينضم إليها !
أيِّ كانت مبررات القرار فإن كلمة "ضم" لوحدها فيها منقصة وتقليل لشأن هذه القرية التاريخية، كما يسلبها خصوصيتها لتتمدن، ويسلبها ما يميزها من عبق الريف و تركيبة سكانه "أولاد خشم البيت الواحد" .
دعوا "كرمكول" على براءتها وسجيتها وطيبتها وطبيعتها الملهمة، ولا تخدشوها بشراسة و صخب و ضوضاء المُدن، فأهلها والعالم يريدونها على فطرتها، قرية تاريخية كما هي وكما حكى عنها الأديب العالمي، لايطمثها إنس ولا جآن.
ابومهند العيسابيمن"قرية كرمكول" الوادعة التي تقع على الضفة الغربية للنيل، شمالي السودان، خرج على الدنيا نجم الرواية السوداني العالمي الطيب صالح، ومنها ايضاً استلهم جميع رواياته التي نالت اعجاب الملايين في شتى بقاع العالم.
وربما يعرف كثيرون " صالح" ورواياته ويحفونها باعجابهم لكن كثيرين ايضاً هم من لا يعرفون انها جزء لا يتجزأ من الواقع في تلك القرية الصغيرة والقريبة جداً من مدينة الدبة الواقعة عند انحناءة النيل في شمالي البلاد.
وكرمكول منطقة ذات بيئة مُلهمة وساحرة فقد ألهمت الكاتب الراحل عبقري الرواية العربية "الطيب صالح" الكثير من الشخصيات ووصف المكان باعتبار ان دومة ود حامد كمكان متخيل في اعمال الطيب صالح تستقي بنائها من المكان المواز لها وهي كرمكول حيث ولد بها الطيب صالح في عام 1929 م وكان يسكن في الحي القديم بفريق بركة.
بدلاً أن تحرص حكومة الولاية الشمالية(البائده) على أن تحفظ لهذه القرية إرثها وتميزها وخصوصيتها و "عالميتها"، فإذا هي تريد مسخها وتذويبها بضمها إلى حاضرة المحلية مدينة "الدبة" بدعوى التخطيط !
وكأن "الدبة" تنافس مُدن العالم في تخطيطها وتطورها وناطحاتها وجسورها الطائرة وبُنيتها التحتية لِتشرِّف فعلاً من ينضم إليها !
أيِّ كانت مبررات القرار فإن كلمة "ضم" لوحدها فيها منقصة وتقليل لشأن هذه القرية التاريخية، كما يسلبها خصوصيتها لتتمدن، ويسلبها ما يميزها من عبق الريف و تركيبة سكانه "أولاد خشم البيت الواحد" .
دعوا "كرمكول" على براءتها وسجيتها وطيبتها وطبيعتها الملهمة، ولا تخدشوها بشراسة و صخب و ضوضاء المُدن، فأهلها والعالم يريدونها على فطرتها، قرية تاريخية كما هي وكما حكى عنها الأديب العالمي، لايطمثها إنس ولا جآن.
ابومهند العيسابيمن"قرية كرمكول" الوادعة التي تقع على الضفة الغربية للنيل، شمالي السودان، خرج على الدنيا نجم الرواية السوداني العالمي الطيب صالح، ومنها ايضاً استلهم جميع رواياته التي نالت اعجاب الملايين في شتى بقاع العالم.
وربما يعرف كثيرون " صالح" ورواياته ويحفونها باعجابهم لكن كثيرين ايضاً هم من لا يعرفون انها جزء لا يتجزأ من الواقع في تلك القرية الصغيرة والقريبة جداً من مدينة الدبة الواقعة عند انحناءة النيل في شمالي البلاد.
وكرمكول منطقة ذات بيئة مُلهمة وساحرة فقد ألهمت الكاتب الراحل عبقري الرواية العربية "الطيب صالح" الكثير من الشخصيات ووصف المكان باعتبار ان دومة ود حامد كمكان متخيل في اعمال الطيب صالح تستقي بنائها من المكان المواز لها وهي كرمكول حيث ولد بها الطيب صالح في عام 1929 م وكان يسكن في الحي القديم بفريق بركة.
بدلاً أن تحرص حكومة الولاية الشمالية(البائده) على أن تحفظ لهذه القرية إرثها وتميزها وخصوصيتها و "عالميتها"، فإذا هي تريد مسخها وتذويبها بضمها إلى حاضرة المحلية مدينة "الدبة" بدعوى التخطيط !
وكأن "الدبة" تنافس مُدن العالم في تخطيطها وتطورها وناطحاتها وجسورها الطائرة وبُنيتها التحتية لِتشرِّف فعلاً من ينضم إليها !
أيِّ كانت مبررات القرار فإن كلمة "ضم" لوحدها فيها منقصة وتقليل لشأن هذه القرية التاريخية، كما يسلبها خصوصيتها لتتمدن، ويسلبها ما يميزها من عبق الريف و تركيبة سكانه "أولاد خشم البيت الواحد" .
دعوا "كرمكول" على براءتها وسجيتها وطيبتها وطبيعتها الملهمة، ولا تخدشوها بشراسة و صخب و ضوضاء المُدن، فأهلها والعالم يريدونها على فطرتها، قرية تاريخية كما هي وكما حكى عنها الأديب العالمي، لايطمثها إنس ولا جآن.
منقول
موضوع جدي /
مِن أين جاء هؤلاء النّاس؟
الكاتب /الطيب صالح.....
وجدوا شعباً حسن الإسلام، فآلوا على انفسهم أن ينزلوا عليه الإسلام من جديد
وجدوا أمة كريمة أبية متراحمة فأهانوا كرامتها وجرحوا كبرياءها ومزقوا شملها.
وجدوا شعباً صابرا راضياً بقسمته يعيش مستورا ولو على الكفاف ولكنه يعمل ويكدح وتتحسن أحواله عاما بعد عام فأذاقوه وبال الجوع والهوان، كي يقولوا إن الشعب كان جائعاً قبلهم، وانهم هم من جاؤوه بالمن والسلوى.
وجدوا دولة على علاتها ذات هيبة، تنصر الأخ وترعى حقوق الجار ويحسب حسابها الأمم
فحولوها إلى دولة تافهة لا يقام لها وزن، لا تنصر مظلوما ولا تردع ظالما"
ـــــــ
مِن أين جاء هؤلاء النّاس؟ أما أرضعتهم الأمّهات والعمّات والخالات؟
أما أصغوا للرياح تهبُّ من الشمال والجنوب؟
أما رأوا بروق الصعيد تشيل وتحط؟
أما شافوا القمح ينمو في الحقول وسبائط التمر مثقلة فوق هامات النخيل؟
أما سمعوا مدائح حاج الماحي وود سعد، وأغاني سرور وخليل فرح وحسن عطية والكابلي والمصطفى؟
أما قرأوا شعر العباس والمجذوب؟
أما سمعوا الأصوات القديمة وأحسُّوا الأشواق القديمة، ألا يحبّون الوطن كما نحبّه؟
إذاً لماذا يحبّونه وكأنّهم يكرهونه ويعملون على إعماره وكأنّهم مسخّرون لخرابه؟
أجلس هنا بين قوم أحرار في بلد حرٍّ ، أحسّ البرد في عظامي واليوم ليس بارداً.
أنتمي الى أمّة مقهورة ودولة تافهة.
أنظر إليهم يكرِّمون رجالهم ونساءهم وهم أحياء، ولو كان أمثال هؤلاء عندنا لقتلوهم أو سجنوهم أو شرّدوهم في الآفاق.
من الذي يبني لك المستقبل يا هداك الله وأنت تذبح الخيل وتُبقي العربات، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات؟
هل حرائر النساء من " سودري " و " حمرة الوز " و " حمرة الشيخ " ما زلن يتسولنّ في شوارع الخرطوم ؟
هل ما زال أهل الجنوب ينزحون الى الشمال وأهل الشمال يهربون الى أي بلد يقبلهم؟
هل أسعار الدولار ما تزال في صعود وأقدار الناس في هبوط ؟ أما زالوا يحلمون أن يُقيموا على جثّة السودان المسكين خلافة إسلامية سودانية يبايعها أهل مصر وبلاد الشام والمغرب واليمن والعراق وبلاد جزيرة العرب؟
من أين جاء هؤلاء الناس؟ بل - مَن هؤلاء الناس ؟
(وطني السودان)
الطيب صالح رحمه الله
الميلاد: 12 يوليو 1929
الوفـاة: 18 فبراير2009
تعليقات
إرسال تعليق