رموز سودانية الشاعر عوض أحمد خليفة

 الشاعر الراحل اللواء عوض أحمد خليفة 

العوض وداعة الله أحمد خليفة محمد عمر من مواليد حي الموردة بمدينة أم درمان (شارع السيد) في 21 يناير 1931م,


والدته عزيزة عبد الله من أم درمان ووالده أحمد خليفة عمر كان يعمل في البوستة, له شقيقتان زينب ونور, توفيت والدته في العام 1936م وتزوج والده مرة أخرى بعد عامين من وفاة والدته وله خمسة أخوان من والده فوزية وآمنة وسعاد وعزة وعمر.


عندما بلغ الثالثة من عمره درس بخلوة مسجد الشيخ أحمد قدح الدم الذي يقع غرب منزلهم وقد شيد هذا المسجد في العم 1898م وهو أول مسجد يصلى فيه بالبروش بعد أن استباح كتشنر جامع الخليفة ومنع الصلاة, ثم درس بخلوة الادارسة (الشيخ أحمد) وتنقل في تلك الفترة مع والده الذي كان يعمل بالبوستة مابين الكرمك وحلفا وفيما بعد في الزيداب في سن متقدمة, في العام 1936م  درس مرحلة الكتاب بمدرسة الأحفاد ومن أبناء دفعته المشهورين في مرحلة الكتاب الرشيد الطاهر بكر والدكتور منصور خالد وقد إفترقوا ولم يلتقوا بعد لك إلا في الحياة السياسية  ومن دفعته أيضا دكتور إسماعيل أحمد إسماعيل وهبي ودكتور علي الضو ومصطفي مدني أبشر والطيب ميرغني شكاك وهؤلاء جميعا معروفين, وفي العام 1941م درس المرحلة الوسطى بمدارس الأحفاد وأكمل السنة الاولى فقط حيث نقله عمه لمدرسة أم درمان الأميرية الوسطى وأكمل دراسته بها وامتحن للثانوي وكانت  المدرسة الثانوية الوحيدة هي مدرسة وادي سيدنا لان مدرسة خور طقت لم تكتمل حينها ولم يتحصل على النسبة المرصودة للدخول لمدرسة وادي سيدنا وعاد مرة أخرى لمدارس الأحفاد ولاينسى في ذلك الأمر مقولة الأستاذ إبراهيم إدريس (هذه بضاعتنا قد ردت الينا) وامتحن للجامعة في العام 1948م وكانت الجامعة الوحيدة هي كلية غردون ولم تكن الشهادة الثانوية السودانية آنذاك كما هو معروف اليوم وكانت هنالك درجات معينة تتيح الدخول لكلية غردون ونجح وتم قبوله بكلية غردون ودرس سنة بها (كلية الأداب) ولأسباب شخصية دخل التدريب العسكري (الكديت) فجاءه مزاج لدخول الكلية الحربية ليصبح ضابط مثل جده.


تم قبوله بالكلية الحربية في (12 نوفمبر 1950) وتخرج بعد عامين برتبة ملازم ثاني وأبرز أبناء دفعته في الكلية الحربية الرئيس الراحل  جعفر محمد نميري وكان الدفعة تسمى بدفعة مزمل سليمان غندور والثانية بدفعة أحمد خالد شرفي وكانت الدفعة تسمي باسم الأول فيها أو الذي يحمل السيف وكانت دفعته تسمي باسمه لأنه كان الأول إلا أنه بعد حدوث انقلاب نميري أصبحت تسمي باسمه بحكم إنه رئيس البلاد وحصل ذلك تلقائيا دون قصد ولم يزعجه ذلك الأمر و من أبناء دفعته في الكلية الحربية مبارك عثمان رحمة,  السر خوجلي كرار, محي الدين موسي, أحمد محمد أبو دهب, صلاح محمد سعيد,  عبدالرحيم محمد سعيد ’ عبدالرحيم محمد شنان’ محمد عبد القادر رئيس الاركان وأمين الاتحاد الاشتراكي في عهد مايو آنذاك, بابكر التجاني , محمد خير محمد سعيد, فؤاد ماهر.  

                                                                                            

عند تخرجه اشتغل عاما كاملا في وحدة المشاة وكان ذلك متبعا لكل الخريجين لتعليم أصول التدريب العسكري ثم سلاح الهجانة بالابيض ثم سلاح الاشارة في أم درمان في منطقة سلاح الطبي الحالية وكان  ذلك في العام 1954م, ثم عاد الي العمل بسلاح الهجانة في العام 1955م وعند حدوث التمرد في الاستوائية  ذهب الي هناك وكانت رتبته آنذاك ملازم أول ثم تدرج في الترقي وهو في الجنوب بعدها بعث الي القاهرة في دورة خاصة بالإشارة والنقل الخطي وعاد منها بعد حرب السويس الي سلاح الاشارة بأم درمان. 


عقب حدوث انقلاب عبد الرحمن كبيده ورد اسمه ضمن الضباط الذين قيل أنهم شاركوا في الانقلاب وتم إحالته إلى الاستيداع حتي ينظر في امره ولم يقبل بهذا الوضع وطلب من القيادة اعفائه وصدر القرار بالاستغناء عن خدماته في عام 1957م برتبة اليوز باشا.


اتصل به عميد مدارس الأحفاد يوسف بدري عندما علم بقصته طالبا منه أن يكون مديرا لمكتبه الي ان يجد عمل افضل وعمل معه لمدة أربعة اشهر فقط ثم عمل بمشروع الجزيرة كمفتش غيط لمدة سنة كانت فترة ثرة له اكسبته خبرات جديدة وكان يفهم يعي كلمة السودان سلة غذاء العالم او قطر زراعي مستقبله مشرق لان مشروع الجزيرة في ذلك الوقت كان اساسه النظام وعندما انفرط عقد النظام فيه تدهور هذا المشروع الكبير.


عند حدوث انقلاب  إبراهيم عبود في نوفمبر ١٩٥٨م واعتلي النظام هو ورفاقه صدر قرار بإعادة كل ضباط الاستيداع ولم يكن في قائمة الضباط بحكم انهاء خدماته ولكن اتصل به المرحوم اللواء عروة محمد أحمد وأبلغه بانه يريده في وزارة التجارة حيث عمل بمصلحة التعاون التي تتبع للوزارة لمدة (11)عاما وتدرج فيها إلى ان وصل  مساعد مدير التعاون وفي ذلك الوقت ايضا التحق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم وتحصل علي ليسانس الآداب في أواخر الخمسينات.


 في العام 1960م بعث عوض أحمد خليفة الي لندن من قبل مصلحة التعاون لعمل دبلوم في اقتصاديات التعاونيات الكبرى وخلال هذه الفترة اهل نفسه اكاديميا بجانب الخبرات العملية التي اكتسبها  فقد تنقل بمعظم مدن السودان بحكم طبيعة عمله ولم يكن يشرف على  الجمعيات التعاونية من المركز بالخطابات وانما كان دائم التجوال بين هذه المدن حيث كان يتحرك من عطبرة حتي حلفا وقد شاهد خلال هذه الاعوام مئذنة جامع حلفا وهي تغرق في مياه السد العالي. 


عندما جاءت ثورة مايو عام 1969م وبحكم الصلة القديمة بينه وبين الرئيس جعفر محمد نميري من صداقة وزمالة وصلة سياسية في تنظيم الضباط الاحرار اذ انه هو الذي زكاه للتنظيم في وقت باكر وتم قبوله عضوا وحضر الاجتماعات الاولي التي كانت تتم بمنزل اللواء حمد النيل ضيف الله وفي تلك الاثناء اتصل به العقيد نميري قائلا له ان الجيش يحتاجه وطالبه بتأسيس مؤسسة فرع التوجيه المعنوي كفرع اساسي من فروع التدريب العسكري في القوات المسلحة ورجع برتبة عميد مع دفعته وفضل ان يكون بالانتداب ليرجع لمصلحة التعاون اذا لم يوفق في عمله الجديد ولكنه عندما بعث الي القاهرة في دراسات عليا استوعبه مجلس قيادة الثورة نهائيا فقبل بالأمر. 


مكث خمس سنوات بالقوات المسلحة وتتدرج إلى ان وصل لرتبة لواء عين خلالها نائبا لرئيس هيئة الاركان للإمداد ونائب فرع القيادة وأسس فرع التوجيه المعنوي والمؤسسة التعاونية  والاخيرة كانت تقدم الخدمات الجيدة للضباط العاملين والمعاشين وهي من اقوي الجمعيات التعاونية في افريقيا اما فرع التوجيه المعنوي فيكفي ان ادارته يتولاها فريق وللاثنين دور اساسي في التنمية ويعتبر هو مؤسسهم وقد وضع لهم اللبنات الواضحة التي سارا عليها حتي يومنا هذا. 


تمت احالته للمعاش في عام 1974وهو في رتبة لواء وعين مفوض عام للتنمية لمدة ثم صدر قرار ايضا من الرئيس جعفر محمد نميري بتعيينه رئيسا لهيئة تحرير جريدة الايام وكان نائب رئيس مجلس الادارة بدرالدين سليمان ورئيس التحرير ابراهيم عبد القيوم ثم أصبح فيما بعد رئيسا لمجلس الادارة الي ان عفي من المنصبين.


عمل في الصحيفة التي تتبع للنظام في الفترة مابين (76-78) وقد كانت الصحيفة تتبع للنظام ويفترض ان تكون معه قلبا وقالبا ولكنه جعلها وسط يعطي النظام حقه وايضا الناس ايضا حقهم واصبحت الصحيفة توزع  (100) الف نسخة في اليوم واتهم بالمعارضة وبتوجيه من جماعة الفكر والاعلام للرئيس نميري أعفي عن منصبه من صحيفة الايام ولم بعد ذلك انقطعت صلته بالعمل السياسي ولكن لم تنقطع بالرئيس نميري فهو صديقه والصداقة لا تنتهي. 


صلته بالفن بدأت منذ صغره وكان اساس الفرح له آنذاك مايسمي (باللعبات) او الحفلات الغنائية كما هو معروف الان ولم تكن هناك ميكرفونات وكان فنانو الحقيبة كرومة وسرور وأولاد شمبات وأولاد الموردة وغيرهم مشهورين في ذلك الوقت وحفظ كل اغنياتهم بدون استثناء وكان والده يمتلك (فنوغراف) وكان عندما يحضر من المدرسة قبل حضور والده من العمل يستمع الي اسطوانة (عازة في هواك) لخليل فرح واسطوانة نشيد عمر بن ابي ربيعة وهي ايضا لخليل فرح فلاحظ والده ان هناك من يشغل الفنوغراف فساله واجابه بانه هو من يشغله ويستمع الي كذا وكذا فقال له (داير تطلع غناي) فأعطى الفنوغراف  لصديق له بودنوباوي ومعه (80) اسطوانة فحزن لذلك ثم ظهر جيل أحمد المصطفي وحسن عطية وجاء ابراهيم الكاشف من مدني كذلك عبدالحميد يوسف وصديق الكحلاوي وكان عوض أحمد خليفة شاهدا علي بروفات اغنية (حجبوك من عيني) عندما كان صديق الكحلاوي يلقنها للكاشف وذلك بحكم علاقته بخاله العوض احمد فضل العازف.


بدا عوض أحمد خليفة كتابة الشعر منذ صغره واجاده وكان متمكنا به وهو في مرحلة الثانوي ولكن بحكم انه لايكتب القصيدة فقد ضاع الكثير من اشعاره وتعلم العود في شبابه وكان يغني في قعدات الشباب وبيوت الافراح الخاصة بهم قبل ان يأتي الفنان وغني في عرس العميد احمد البشير شداد وكان برتبة اليوز باشا حتى أتي الفنان احمد المصطفي وغني حينها (طار قلبي) فوبخ ثاني يوم واخذ انزار حتي لايغني مرة ثانية ورغم ذلك كان فنان الميز في الابيض.

 

اول اغنية كتبها كانت أغنية (أغلى من عيني) لعبد الكريم الكابلي في العام 1957م ولكن الكابلي تغنى بها في العام 1960م وتلاها بأغنية نورا لعثمان حسين وقد كتب هذه القصيدة في شقيقته (نورا) لذلك تحمل الاغنية اسما وكان بعض الخبثاء يقولون ان وراء نورا نورا أخرى والقصيدة الثالثة كانت (عشرة الايام) للفنان عثمان حسين وكتبها في العام 1961م بلندن وكانت في التي كان يحبها وتزوجها ابن عمها وكانت هذه اول قصيدة كتبها في محبوبته.


كان عندما يأتيه الهام الشعر لايكتب القصيدة وانما يدندن بها بصوت عالي وأغنية عشرة الايام كتبها وهو في مدينة لندن وكان يعيش الغربة وحبيبته تركته وتزوجت بغيره فتغنى بها بصوت عال داخل القطار و كان موجود بالقطار عازف جيتار عزف معه وعزمه علي منزله وكون معه صداقة جميلة.


معظم أغنياته كتبها مابين (62-68) فكتب خلي قلبي معاك شوية , ,كيف يهون, غرام , ماخلاص نسيتنا , ربيع الدنيا, في بعدك ياغالي, بالي مشغول, تحرمني ليه, لما القمر بالليل ينور , لو كنت ناكر للهوي, الحب عذاب وجميع هذه الاغنيات كتبها في التي احبها وبعد ذلك تزوجها وبعد ان تزوجها ذهب شيطان الشعر عنه ولم يكن لديه شعور داخلي بالكتابة فهو كتب في التي لم تصبر عليه وتزوجت ابن عمها وكتب في التي صبرت عليه وكانت زوجته وقد تدللت عليه في البداية لاعتقادها انه يريد ان يختم زواجه بقريبته ولكنه اثبت لها حبه من خلال أغنياته.


كثر من  أغنياته كتبها هو مسافر أو مساهر لان هذا هو الوقت الذي يصير فيه وحيدا وكان دائم الأسفار أما بالسيارة أو بالقطار (درجة أولي) لذلك فإن معظم كتاباته تمت وهو مسافر وكان دائما (يدوبي) بأغنياته وهو في الخلا وكان سائقه إبراهيم عبدالرحيم يحفظ معظم أغنياته بحكم إنه لايكتبها كما إن أغلب ميلوديات الأغاني له فكانت تأتيه القصيدة  ملحنه فيقولها بصوت عال ويأتي الفنان بعد ذلك ويضع لها الموسيقي ولم يكن يهمه ان يقال القصيدة من الحان وغناء الفنان الفلاني.


صاغ من شعره هذه الأغنيات :


عثمان حسين : ربيع الدنيا, خلي قلبك معاي شوية, نورة, عشرة الأيام, صدقيني, صرخة شوق(لم تسجل إذاعيا), شتات الماضي, خاطرك الغالي.

عبد الكريم الكابلي : أغلى من عيني, كيف يهون, غرام (روعة الليل).

زيدان إبراهيم : دنيا المحبة, بالي مشغول وهي أول أغنية لزيدان إبراهيم, دنيا المحبة (في بعدك ياغالي).

إبراهيم عوض : غاية الآمال

أبو عركي البخيت : ناكر الهوى

شرحبيل احمد : لما القمر, ليالي الشوق

عبد العزيز محمد داؤود : أحلى الحبايب

محمود تاور : لو سألت فؤادي يوم


كانت له فكرة ان يوثق تجربته من خلال قصة عوض احمد خليفة تحت عنوان (ابتسامات الحزين) والمقصود بالحزين هنا هو المفلس وهو اللقب الذي اطلقه عليه صديقه ومن طرائف احد المتقدمين في الكلية معه قال له لازم تقبلني لأني ابي متأسف جدا فساله لماذا يتأسف اباه فقال له المتأسف هو المفلس فضحك وقال له المتأسف أفضل من الحزين.


في السنوات الأخيرة انقطع للعبادة والصلاة  وعندما توفي الشيخ ادريس الفكي بجامع الادارسة قدمه ذات مرة للصلاة السيد احمد الحسن الادريسي وكان يصلي بالناس الصبح والمغرب والعشا بحكم عمله الذي لايتيح له صلاة الظهر والعصر ولم يكن ذلك تصوفا منه لأنه كان يصلي منذ صغره ويرتل المصحف وكان الجميع يشيد بصوته في قراءة القران ولكن عندما انتقل الي السكن بحي بانت لم يكن يصل بالناس لبعد المسافة بين منزله والمسجد كما انه كان لايصلي بالناس الجمعة نهائيا وقال ان صلاة الجمعة تحتاج لرجل متفقه في الدين وهو ايضا يعلم امر الدين جيدا والذي نشر امر إمامته للإذاعة السودانية كانت دائما تنقل صلاة الصبح من جامع الأدارسة.


تلك كانت لمحات  من سيرة الشاعر اللواء عوض أحمد خليفة والذي توفي يوم 24 أكتوبر 2019 ودفن بمقابر حمد النيل بإم درمان تغشاهو الرحمة والمغفرة.


المصدر : 

تلخيص لحوار صحفي بصحفية الخرطوم أجرته معه الأستاذة وجدان عبد الرحيم بتاريخ  15 يوليو 2009م + إضافات شخصية.


ويجدر ذكره هنا بأن الاستاذ معاوية حسن يس نقل هذا الحوار أيضا في كتابه تاريخ الغناء والموسيقى في السودان (الجزء الثاني) ص 218

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شاهد عيان جنجويد

مواضيع علمية

قصص جميلة.