الراحل المقيم عبدالعزيز المبارك
المبدع الراحل عبد العزيز المبارك
عبد العزيز المبارك حامد الحبر من مواليد العام 1951م بحي العشير بمدينة ود مدني ذلك الحي العريق الذي انجب لنا ثلة من المبدعين الذين شنفوا أذاننا بغناء خالد ورصين أمثال رمضان حسن وثنائي الجزيرة والخير عثمان وابو عركي البخيت واكمل مراحله التعليمية حتى الثانوي بمدينة ود مدني وعمل موظفا بوزارة الثقافة والأعلام بود مدني.
منذ ان كان طفلا في السادسة من عمره بدأ عبد العزيز المبارك ارتباطه الوثيق بالراديو الذي كان يعمل ببطارية تعمل لمدة 45 يوما بالاستماع للغناء ويذكر الفنان عبد العزيز المبارك انه وعندما يبدأ خفوت صوت الراديو لضعف البطارية كان يبدأ بالبكاء الى ان يحضر شقيقه اخرى فحرص بعد ذلك على احضارها قبل وقت كافي حتي لايغضب الطفل الصغير وباستماعه للردايو اختزن عبد العزيز المبارك الكثير من الالحان والايقاعات فامتلاء وجدانه وتشبع بالغناء و الموسيقي وكانت له ركيزة في بناء فنه وطريقته في الغناء ومقدرته المبكرة في إظهار مواهبه حيث كان يلحن اناشيد المدرسة بصورة رائعة جعلت اساتذته يعتمدون عليه في تلحينها واداءها في النشاطات الادبية بل اكثر من ذلك كانوا يطلبونه في المدارس المجاورة لتلحين الاناشيد للتلاميذ فعرف بينهم بتلك الموهبة.
عشق عبد العزيز المبارك آلة العود منذ الصغر وأصر على تعلم العزف عليها فهي أول آلة يقع عليها نظره ويرتبط بها وجدانه حيث كان شقيقه يمتلك عودا ويعزف عليه وعن طريق زميله في الدراسة الفنان علي السقيد تعلم أساسيات ومبادئ العزف وازدات رغبته في امتلاك عود وهنا يحكي عبد العزيز المبارك طرفة ويقول : كان العيد على الابواب واعطاني والدي خمسة جنيهات لشراء ملابس العيد فأخذت المبلغ وذهبت دون تردد الى لمحل لبيع الآلات الموسيقية وطلبت من صاحبه يبيعني عود بمبلغ الخمسة جنيهات ولكن قال لي ان المبلغ لايكفي ولكن عند اصراري اعطاني واحد مكسور فأخذته للنجار واصلحه وفي صبيحة يوم العيد كان أشقائي وابناء الحي يلبسون الملابس الجديدة اما انا فجالس في احدى غرف المنزل ممسكا بالعود واكثر سعادة منهم وبامتلاكه للعود كانت بدايته الحقيقية لمشواره الفني حيث بدأ يعزف ويغني لا صدقائه بالحي وهم بدورهم يقدمونه في المناسبات السعيدة واشتهر على نطاق مدينة ود مدني ومن ثم على مستوى ولاية الجزيرة.
في العام 1974م حضر عبد العزيز المبارك للخرطوم لإجازة صوته بالإذاعة عن طريق اخوه عازف الكمان الشهير أحمد المبارك وكانت اللجنة تتكون من برعي محمد دفع الله وعبد الله عربي وعلاء الدين حمزة وبالفعل تمت إجازة صوته بأغنية طريق الشوق والتي اهداها له الفنان الطيب عبد الله.
لمزيد من الذيوع والانتشار شارك عبد العزيز المبارك خلال تلك الفترة في عدد من برامج المنوعات الاذاعية لأنها كانت تجد القبول والمتابعة من المستمعين حينها وذلك بتقديمه لأغنية جديدة كل شهر شهرين لترسخ في أذهان الجمهور وكان قبلها قد شارك عبد العزيز المبارك في برنامج إذاعي يهتم بالمواهب الشابة كان يقدمه محمد عبد الله الريح وفيهو لجنة تضم الفكي عبد الرحمن والصلحي وبعد ان تغنى لهم بعدد من الأغنيات, اعترض الفكي عبد الرحمن على تواجده قائلا: ده فنان جاهز لو دخلناهو المنافسة بنظلم الناس التانين وبالفعل تم استبعاده وكانت تلك شهادة كبيرة يعتز بها الفنان عبد العزيز المبارك ويجدر ذكره هنا بان الفنان عبد العزيز المبارك في بدايات مسيرته الفنية كان يتغنى بأغنيات محمد وردي وعثمان حسين وزيدان إبراهيم وابراهيم الكاشف وسيد خليفة وأحمد المصطفى وحسن عطية ولكن بمجرد ما سجل اعماله الخاصة اعتمد على انتاجه وشق طريقه الفني بلونيته الخاصة واكمل مسيرة تواصل الاجيال لمن سبقوه من زملائه العمالقة دون فصل لمراحل.
قصة قميص بتحرمني منك :
كان عبد العزيز المبارك في جولة فنية خارج السودان ولفت انتباهه قميص جميل جدا في واحدة من المطارات وقام بشرائه وعند صوله للسودان قام بلبسه وذهب الى التلفزيون لعمل بروفة أغنية بتحرمني منك وكانت تعمل البروفات في تلك الفترة في السطوح وبعد انتهائه من البروفة وهو نازل ليذهب لمنزله وقفوا امامه ناس التلفزيون وقالوا ليهو النشرة شغالة حاليا وبعدها حنبدأ السهرة والفنان الحايغني ماجاء ولازم تحلنا من الموقف ده ولم يكن هنالك حل اخر خصوصا وان الاغاني جاهزة والوقت داك التلفزيون ببث برامجه مباشرة وتغنى بأغنية بتحرمني منك وكان لابس نفس القميص اللقطة وسمي القميص باسم بتحرمني منك.
الفترة دي كان عبد العزيز المبارك طالع في الكفر كما يقول المصطلح الدارجي ومن اراد حجزه لحفل زواج كان بيسأله فاضي متين عشان يحدد المناسبة وكانت هنالك طقوس خاصة له في حفلاته خصوصا حفلات الاعراس فمن حيث انتقاء ملابسه وتقديمه للأغاني الفرايحية التي تتلائم مع المناسبة وتحاشي الاغنيات الحزينة.واستغل ذلك بذكاء كبير المؤلف المسرحي د. علي البدوي المبارك والمخرج مكي سناده وحاولوا يستفيدوا منه كعنصر جاذب في مسرحية جواهر والتي شارك فيها عبد العزيز المبارك بالتمثيل بصورة كويسة مع النجوم عبد الوهاب الجعفري ومحمد عثمان المصري وعبد الواحد عبد الله والممثلة المصرية الراحلة فائزة كمال وكان معظم جمهور الفنان عبد العزيز المبارك من الجنس اللطيف وفي مرة مشى مدرسة بيت الأمانة الثانوية ليقوم بتسجيل ابن اخته القادم من مدينة ود مدني في المدرسة باعتباره ولي امره وكان لابد ان يقابل الاستاذ فؤاد التوم حسن ولسوء حظه صادف ذلك حضوره فسحة الفطور عندها حدث هرج ومرج من الطالبات وبقوا يصرخوا ويكوركو الى ان غلبه المشي وانقذه من هذا الموقف المحرج حضور الأستاذ فؤاد التوم حسن عند سماعه الصراخ وقام بمعاقبة بعضهن.
في العام 1986م كانت اول مشاركاته الخارجية في مهرجان اقيم بالمانيا دعما للسودان من أثار الجفاف والتصحر بمشاركة الفنان عبد القادر سالم بعد ان تم ترشيحهم من البروفيسور الماحي إسماعيل وبعد هذا المهرجان اتصلت به عدة شركات لتسجيل الأسطوانات ليشارك في مهرجانات تنافسية أخرى وكان أهمها مهرجان انجلترا الذي حقق فيه المركز الثاني وحقق فيه نجاحا كبيرا من حيث توزيع الأسطوانات وكان هذا في حد ذاته نجاح باهر استحق به وبكل جدارة ان يكون سفيرنا في الغناء السوداني في اوربا وقدمت أغنيته احلى عيون بنريدها عبر إذاعة (BBC) الامر الذي أثار جدلا بين الصحفيين العرب منهم من كان معترضا لاعتبار انه فنان مغمور بالنسبة لوجود عمالقة اخرين ومنهم من كان معجبا بذلك خاصة وان اسطوانته في المهرجان كانت الاولى من حيث التوزيع والاصدار.
في أوائل التسعينات هاجر الفنان عبد العزيز المبارك الى المملكة العربية السعودية للعمل واستقر بمدينة جدة زهاء العشرة سنوات حيث عمل بشركة فرسان للإنتاج الفني والاعلامي حينها ابتعد عن الغناء احتراما لنفسه لان القوانين بالمملكة العربية السعودية تمنع الحفلات المشتركة أو الاختلاط وكان غربته خصما عليه لغيابه الطويل عن الساحة الفنية ومعجبيه طوال ذلك العقد من الزمان الا بظهور خجول عند عودته للإجازات في السودان في الاجهزة الاعلامية.
شعراء الاعمال الغنائية للفنان عبد العزيز المبارك :
اسحق الحلنقي : ياعزنا, ياعسل, بصراحة, البسمة وين (عاد تاني وين البسمة ديك تتلقي)
محمد جعفر عثمان : ماكنت عارف, الريدة الخالدة, احلى عيون بنريدها, بتقول وداع
علي شبيكة : ليه ياقلبي ليه, وصية محب
عثمان خالد : مذهلة (بتقولي لا), احلى جارة
عزمي أحمد خليل : حلوة صدفة, جرح الفرقة (زي مابنشفق)
حسين حميدة : ياماري ببيتنا, ليل الغريب
يوسف السنوسي : افراح الحلوة, يوم لو جيتنا تسألنا
عبد المنعم حسن : بتحرمني منك
الطيب عبد الله : طريق الشوق
مرتضى صباحي : صبرنا كتير على الأشواق
سعدية عبد السلام : عبير زهر البنفسج
الامير عبد الله الفيصل : لاتدعني
سيف الدين الدسوقي : ايه الحصل
محمد ادم : ارخي الرمش
حسين بدوي : من غير اقول
سيف الدين السوقي : ايه الحصل
علي محمود حسين : الموسيقى العمياء والتي تعرف الكوكب الفضي (اذا ماطاف بالارض شعاع الكوكب الفضي)
إبراهيم بديوي : بك أستجير (انشودة دينية)
من أغنيات الحقيبة التي تغنى عبد العزيز المبارك, نجوم الليل اشهدي وانا بيك سعادتي مؤكدة للشاعر عبد الرحمن الريح وجور زماني للشاعر عبيد الرحمن وآنة المجروح للشاعر سيد عبد العزيز وصابحني دائما وابتسم للفنان ابراهيم الكاشف ومن شعر خالد ابو الروس
الملحنين :
الفاتح كسلاوي : مذهلة (بتقولي لا), ياعزنا
عمر الشاعر : ماكنت عارف, من غير اقول واحكي الظروف, عبير زهر البنفسج, الريدة الخالدة, احلى عيون, افراح الحلوة
العاقب محمد حسن : يوم لو جيتنا تسألنا
السني الضوي : ليه ياقلبي ليه, وصية محب
الطيب عبد الله : طريق الشوق
ابراهيم حسين : البسمة ديك
عبد اللطيف خضر (ود الحاوي) : احلى جارة
فتحي المك : ارخي الرمش, بتحرمني منك
بشير عباس : لاتدعني, بصراحة, ايه الحصل
احمد المبارك : ليل الغريب, ياعسل
التعاون الفني والروح الجميلة والتنافس الشريف كان هو السمة السائدة بين الفنانين في ذلك الوقت فعندما سمع الفنان الطيب عبد الله زميله عبد العزيز المبارك في مدينة ودمدني واعجب بصوته, قال له عندي ليك هدية عندما تحضر للخرطوم وبالفعل عندما ذهب للخرطوم اهداه أغنية طريق الشوق وهي من كلمات وألحانه وأغنية ليه يا قلبي ليه من كلمات الدكتور علي شبيكة وامن لحن السني الضوي وكان ثنائي العاصمة بصدد تقديمها بعد أن قاما بعمل البروفات ولكن تنازل ثنائي العاصمة عن هذه الاغنية وتم تقديمها له كهدية وأغنية البسمة ديك وين تتلقي من كلمات أسحاق الحلنقي ومن لحن الفنان إبراهيم حسين, جاء اليه في منزله الفنان أبراهيم حسين الى وقال له : الأغنية دي حاسس بأنك ح تؤديها أفضل مني، ما تغنيها، وخلال ساعة حفظها وفي المساء عمل لها البروفة وفي اليوم التالي تغنى بها.
أغنية لاتدعني التي تغنى بها الفنان عبد العزيز المبارك في إحدى مهرجانات الثقافة والفنون في النصف الثاني من السبعينات وهي باللغة العربية الفصحى من شعر الامير عبد الله الفيصل ومن لحن بشير عباس تعتبر في راي الشخصي المتواضع من أفضل ماقدمه لنا عبر منجزه الفني ويستغرق الاستماع لها اكثر من 45 دقيقة بالتمام والكمال ويمكن وضعها في سرج واحد مع روائع العمالقة محمد وردي ومحمد الامين من حيث التراكيب الجملية اللحنية المتعددة.
يمتاز صوت عبد العزيز المبارك بالعمق وبه تطريب محبب لدي الكثيرين ويعرف ذلك (البحة الجميلة في صوته) ويصنف صوته موسيقيا وعلميا ضمن فصيلة الاصوات الحادة والتي تعرف اصطلاحيا حسب التصنيفات البشرية بالتينور (TENOR).
كان للفنان عبد العزيز المبارك حضور جاذب للنظر والانتباه من حيث اللبس الأنيق والاداء الأثر
تغنى عبد العزيز المبارك بلونيات محتلفة حقيبة, غناء الوسط بصورة رائعة كما ابدع في اداء اللونيات الغير سودانية مثل أغنية نانو الاثيوبية بلغة الامهرا الصعبة جدا وهو اسم لفتاة أثيوبية ولاقت قبولا ورواجا من الاثيوبين الذين استقبلوها بإعجاب كبير.
يمكننا القول بكل ثقة بان تجربة الفنان عبد العزيز المبارك الغنائية تعد نقطة مضيئة بل متوهجة في تاريخ الغناء السوداني الحديث تكاملت عناصرها ومكوناتها فأنتجت تجربة مميزة كلماتا ولحنا وأداء ووعيا بالدور المنوط بها.
توفي الفنان عبد العزيز المبارك في التاسع من فبراير 2020م بعد معاناة طويلة مع المرض بعد ان وضع بصمته التي لاتخطئها العين في تاريخ الغناء السوداني, نسأل الله يشمله بعظيم رحمته ومغفرته
المصادر :
متقطفات من : بروفايل عن الفنان عبد العزيز المبارك اعداد الأستاذة اروى الربيع من صحيفة الصحافة في العام 2000م + حوار مع الفنان عبد العزيز المبارك صفحة مع الناس نقلا من صحيفة الصحافة السودانية في العام 2004م + حوار صحفي صحيفة المجهر السياسي 2015م + إضافات شخصية.
تعليقات
إرسال تعليق