شعراء الأغنية السودانية

 الشاعر الراحل : حسين بازرعة




حسين محمد سعيد بازرعة من مواليد مدينة سنكات في العام 1935م وأتي جده بازرعة من منطقة حضرموت بدولة اليمن السعيد للسودان واستقر بمدينة سنكات بشرق السودان  وتزوج من سودانية (هدندوية).


تلقى حسين بازرعة دراسته بمدارس سنكات الأولية والوسطى بمدرسة الاهلية بور تسودان والثانوي العالي وادي سيدنا با درمان وعمل في مكتب شحن وتخليص بمدينة بور تسودان وفي العام 1968م سافر الى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية وعمل موظفا بشركة باخشب لعقود طويلة وتدرج في العمل فيها الى أن تبوا منصبا قياديا بالشركة.


طفولته كانت عادية جداً، فلم يكن مدللاً، وكان هادئ الطبع ومحبا للقراءة من خلال مكتبة  جده الضخمة  والتي كانت تحمل العديد من الكتب القيمة وتلك البيئة التي عاش فيها طفولته كان لها دور في تأصيل موهبته الشعرية.


بمحض الصدفة قرأ الفنان عثمان حسين  قصيدة لحسين بارزعة (القبلة السكري) في إحدى الصحف وأُعجب بها وهي التي أوصلته لحسين بازرعة، وبعدها صارت العلاقة وطيدة بينهما وكان عثمان حسين  يمثل له أخاً وليس صديقاً أو للتعامل الفني بينهما حيث كان عثمان حسين يزوره أينما كان سوا في بور تسودان أو جدة.


 قدم لنا حسين بارزعة وعثمان حسين  عدد كبير من الأغنيات الرومانسية الراسخة في وجدان الشعب السوداني و التي تتحدّث عن الشجن والشوق والغربة والهجر والحرمان حيث كان حسين بازرعة رجل رقيق المشاعر يكتب بصدق نابع من أعماقه، بكلمات بليغة الوصف عميقة المعنى، أنيقة التطريب وعندما تستمع إلى كلماته تحس بذلك حيث تخترق القلوب دون استئذان.


عشق حسين بازرعة إحدى حسناوات مدينة بورتسودان، وهي فتاة ذات خلق ودين و كتب عنها معظم قصائده العاطفية، ولكن شاءت إرادة المولى ألا يتزوّجها لان شقيقه الأكبر (علي) رفض فكرة ارتباطه بتلك الفتاة، ولم يكن بوسع حسين بارزعة سوى أن يتخلى عنها، وأن تظل داخل وجدانه، ويكتفي بكتابة الشعر وعزف حسين بارزعة عن الزواج وكان لايحبذ  الحديث عن هذا الموضوع إطلاقاً، وعندما يسأله البعض يرد عليهم بعبارات بسيطة ومقنعة،(ما في قسمة),  ويقال بأن حسين بارزعة عندما غادر السودان إلى جدة بالمملكة العربية السعودية غادرها متأثراً بتلك الجراح.


كان حسين بارزعة رجل كريم إلى حد الإسراف، يحب الناس، ويحبونه أيضاً، وهو شخصية مرحة تجمع بين الطيبة والحياء، ويتسم أيضاً بالتواضع ويتعامل مع كل الناس فلا يفرّق بين غنيهم وفقيرهم، حاكمهم ومحكوهم، فالناس عنده سواسية وأخو أخوان، فليس بفظ ولا غليظ، يخلق مساحات الفرح ويزرعها في قلوب الجميع، ويشقى لكي لا يكون الناس حوله سعداء وكان يعشق الهدوء، والهدوء هذا مصحوب بالصمت، ولا يعشق الكلام الكثير، كثيراً ما يختلي بنفسه فتجده جالساً لوحده معظم أوقاته خاصة عندما يريد الكتابة أو القراءة، فإذا دخل عليه شخص يتوقف عن الكتابة، بمعنى له طقوس معينة للكتابة.


لعب حسين بازرعة  في خمسينات القرن الماضي لنادي حي بو رتسودان حيث كان لاعب كرة قدم ماهر وعمل في إدارة نادي حي العرب عضوا ثم سكرتيرا عاما.


أثرى الشاعر حسين بازرعة مكتبة الأغنية السودانية بالروائع التالية :

التاج مصطفى : عازف الأوتار, ليلة الذكرى.

احمد المصطفى : حبيبي.

عبد العزيز محمد داؤود : صبابة (عجبا يقول الناس انك هاجري), حليلة الفرقة من بكرة.

عثمان حسين : القبلة السكرى, الوكر المهجور (كانت لنا أيام) شجن, المصير, قصتنا, لاتسلني, انا والنجم والمساء, بعد الصبر, حبي (عشقتك وقالوا عشقك حرام), ناداني غرامك, ذكرتني, اجمل أيامي, انت لي (عاهدتني انك تكون مخلص في حبي), أرضنا الطيبة, ليالي القمر, وهنالك أيضا أزمة ثقة والحب في زمن الخريف ولم يتم تسجيلهما في الإذاعة السودانية.


له ديوانا شعر بعنواني  البراعم وسقط المتاع.


كان حسين بازرعة يحب السفر وقضاء الإجازات في الخارج فسافر إلى بلدان مثل فرنسا واليونان ومصر وإلى جانب ذلك يهوي فن الرسم واللغات حيث يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة, وله علاقات صداقة وطيدة مع العديد من الشخصيات القيادية في السودان والمملكة العربية السعودية ومن بينهم وزير الداخلية السعودي السابق والشاعر الأمير عبد الله الفيصل بن عبد العزيز آل سعود إضافة الى عثمان حسين والبروفيسور السر دوليب، والبروفيسور أحمد إسماعيل، ومحمد أحمد أبوزيد من أبناء مدينة بورتسودان.


من أشقائه علي وسعدية ورقية وعيشة ونفيسة وأم الحسن وهي تؤام الشاعر حسين بازرعة.


توفي الشاعر القامة المفعم بالوجد حسين بارزعة  في يوم 14 يونيو 2017م بعد ان ترك لنا تركة ثرية من الأغنيات الرومانسية  باحساسه الدفين غنية بالرصانة والشجن والحزن.


كانت لنا أيام .. في قلبي ذكراها ما زلت أطراها ياليـتـنا عدناها أو عادت الأيام وإن أنسي لا أنسي ..ذكراك ياسلمي في وكرنا المهجور.. والصمت قد عمَّ تحلو لنا الشدوي .. والحب والنجوي ولمتين يلازمك .. في هواك مُر الشجن ويكون في أيامك.. ويطول عذاب ياقلبي.. لو كانت محبتو.. بالتمن يرضيك هدرت عُمر حرقت عليه شباب وعشقتك وقالوا لي عشقك حرام يا مجدد نور عيوني يا مبدد نار شجوني ليتهم عرفوا المحبة وعرفوا اسرار الغرام وكل ﻃﺎﺋﺮ ﻣﺮﺗﺤﻞ  

ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻗﺎﺻﺪ ﺍﻷﻫﻞ  ﺣﻤﻠﺘﻪ ﺃﺷﻮﺍﻗﻲ  ﺍﻟﺪﻓﻴﻘﺔ  ﻟﻴﻚ ﻳﺎﺣﺒﻴﺒﻲ ﻟﻠﻮﻃﻦ  ﻟﺘﺮﺍﺑﻪ  ﻟﺸﻄﺂﻧﻪ ﻟﻠﺪﺍﺭ  ﺍﻟﻮﺭﻳﻘﺔ اﻧﺖ ﻧﺒﻊ ﺣﻨﺎﻧﻲ ﺇﻧﺖ ﻛﻴﺎﻧﻲ ﺇﻧﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻬﺠﺘﻬﺎ ﻭﺷﺮﻭﻗﻬﺎ ﻭﺇﻥ ﺣﺼﻞ ﺯﻟﺖ ﺧﻄﺎﻳﺎ ﻣﻌﺎﻙ ﺃﻭ ﺿﻠﺖ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻫﻞ ﺗﺼﺪﻕ ﺗﻨـﺘﻬﻲ ﻗﺼﺘﻨﺎ ﻳﺎ ﺃﺟﻤﻞ ﺣﻘﻴﻘﺔ.


نسأل الله له الرحمة والمغفرة بقدر ما أسعد وارتقى بوجدان الشعب السوداني.


المصدر : تلخيص لحوار صحفي مع السيدة ام الحسن تؤام الشاعر حسين بازرعة في صحيفة السوداني + إضافات شخصية.


*شدولو وركب فوق مهرك الجماح...* 



قصة أغنية بسبب (لاندروفر) متعطل...


تلكم القصيدة التي ظن كثير من الناس انه تغني بها سيد خليفة للرئيس الراحل جعفر نميري...

في الجود والكرم 

إيديك دوام بارزات 

يا اب قلباً حديد 

في الحوبة مابتنفات

*شدولو و ركب*


هذه الأغنية التي كان يشدو بها الراحل المقيم سيد خليفة تعتبر من أقوى أغاني الحماسة إلى يومنا هذا.. 

ولا يزال فنانو شباب اليوم يرددونها بكثرة، لما فيها من معاني الفروسية والشهامة والكرم 

مثل:

أبواتك قبيل بيسدوا للعوجات

مطمورتك تكيل للخالة والعمات

في الجود والكرم إيديك دوام بارزات


وسبب ميلاد القصيدة، ان شاعرنا الكبير عمر ود الحسين، كان في رحلة جنوب منطقة القضارف في نواحي المفازة، وكان معه الفنان الكبير سيد خليفة...


وصادف رفيقا الطريق في ذلك اليوم امطاراً غزيرة، ادت لتعطل عربتهم (اللاندروفر) بسبب (الوحل) وكثافة الطين.. 

فسأل الرفيقان أحد رعاة الماشية في تلك المنطقة أن يذهب إلى المفازة لطلب النجدة واعانتهم .


*لحظة إعصار المفازة*

وبالفعل ذهب الراعي واخبر عمدة المنطقة بما حدث لرفيقي السفر، فوصل على عجل عمدة المنطقة وفي معيته عدد من شباب المفازة الذين حاولوا إخراج العربة لكنها استعصت عليهم تماما ...


فأمر العمدة حالاً بتجهيز (تراكتور) وبالفعل حضر (التراكتور) وقام بسحب (اللاندروفر) للمنطقة اليابسة...

 ومن بعد ذلك العمدة حسن عبد الله طه كلف مهندس ليصين العربة في الحال، وأقسم على الضيفين أن يذهبا معه إلى المفازة حتى تجهيز سيارتهم.. 


وبالفعل وصلوا المنطقة وقام العمدة ومعه اهل المنطقة بإكرام الضيوف ايما كرم، حيث تناثرت الذبائح هنا وهناك ولكن الغريب في الامر ليس حفاوة اهل المنطقة ولا سرعة نجدتهم وفيض كرمهم الدفاق فتلك صفاتهم الفطرية... 

ولكن الغريب أن الفنان سيد خليفة والشاعر ود الحسين لم يعرفا أن ذلك الشخص الذي كان يخوض معهم في الوحل محاولاً اخراج سيارتهم هو العمدة حسن عبد الله طه بنفسه. 

وهو اشهر شخصية في تلك المناطق وعلم على رأسه نار...

وبالمقابل لم يكن العمدة يعرف أن ضيفيه هما الفنان الكبير سيد خليفة والشاعر المعروف ود الحسين.


*كرم سوداني بحت*

لم يتعرف الجميع على بعضهم الا عندما قاموا بتوديع بعضهم البعض.. 

وكم كانت دهشة العمدة حسن عبد الله طه كبيرة عندما عرف أن ضيفيه كانا الشاعر الكبير عمر الحسين والفنان الشهير سيد خليفة ولكن دهشة سيد خليفة والشاعر عمر الحسين كانت الأكبر عندما عرفوا أن من كان مشمرا لسواعده مكفكفا لجلبابه وسط الطين والوحل يحاول اخراج سيارتهم هو العمدة حسن عبد الله طه شخصياً...


العمدة الذي تخضع له كل مناطق المفازة وما جاورها وكان مشهورا بكرمه وحلمه وحكمته الراسخة لذلك وصفه ود الحسين عندما تعرف عليه في احد الابيات ود ناسا عزاز جمعوا المكارم كوم 

تفخر بيك بنات البادية والخرطوم 


وقد استرسل عمر ود الحسين بصورة بلاغية رائعة في وصف العمدة خصوصا 

عندما قال:

 تمساح الدميرة ..

الما بكتلو سلاح 

إعصار المفازة ..

للعيون كتاح 

المال ما بيهمو …

إن كتر وإن راح

فتجلى جمال النظم ودقة الوصف في تلك

قصيدة حبلى بالمعاني الرائعة التي تشير إلى الكرم السوداني المتأصل في نفوس السودانيين بصورة فطرية وطبيعية. 

فقد يذبحون للشخص ويغدقون عليه الهدايا دون أن يعرفوا ...

من هو؟ 

وما اسمه؟

وما وجهته؟

والي اي قوم ينتمي؟ 

لذلك جاءت القصيدة تحمل تقاسيم وصفات السوداني الاصيل...


وقد كُتبت القصيدة على طريقة المربعات كدأب اهل البطانة في قوة نظمهم وسلاسة تعبيرهم وقوة معانيهم ...

فانظر لود الحسين عندما يقول للعمدة عينيك يا الصقر ..

في الحاره ما بتنوم صدرك للصعاب ..

دايماً بعرف العوم 

في وسط الفريق ..

في الفارغة ما بتحوم 

لا بتتلام ولا ..

بتعرف تجيب اللوم 


وغير ذلك من قوة نظم ودقة وصف لا متناهي؛ وابداع الخيال الذي يبرع فيه شعراء البادية.

 فانظر اليه

 عندما يقول :

 يا رعد الخريف ..

الفوق سماك دمدم 

بابك ما انقفل ..

نارك تجيب اللم 

ما بتعزم تقول ..

غير استريح حرَّم 


مجازات لغوية واستعارات عميقة المعاني والدلائل. 

رحم الله العمدة حسن عبد الله ود طه ورحم العملاقين الجليلين سيد خليفة وعمر الحسين لما قدموه للفن السوداني من أغان ومعان كتبت بأحرف من نور في سجلات الخلود


كلماتةالقصيدة :


 شدولك ركب 

شدوا لك رِكب فوق مهرك الجماح

ضرغام الرجال 

الفارس الجحجاح

تمساح الدميرة 

الما بيصده سلاح

المال ما بيهمك 

إن كتر وإن راح


بطناً جابتك 

والله ما بتندم

ويا أسد الكداد 

الفي خلاك رزم

ويا رعد الخريف 

الفوق سماك دمدم


بابك ما انقفل 

ونارك تجيب اللم

وما بتحلف تقول 

غير استريح حرم


أبواتك قبيل 

بيسدوا للعوجات

ومطمورتك تكيل 

للخالة والعمات

وفي الجود والكرم إيديك دوام بارزات

ويا أب قلباً حديد 

في الحوبة ما بتنفات

صدرك للصعاب 

دايماً بعرف العوم

وفي وسط الفريق 

في الفارغة ما بتحوم

لا تتلام ولا بتعرف تجيب اللوم

تفخر بيك بنات 

البادية والخرطوم


منقول من مجموعة قروبات اجمل الامثال والاغاني السودانية 

____________

ومنقول من قروب كلام جميل بالواتساب ارسلها أستاذنا الفاضل القامة بدرالدين عبدالرحمن احمد ودالفاشر له وللجميع التحية والتقدير 

____________

.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شاهد عيان جنجويد

قصص جميلة.

هرووووب الأسد